العولمة في التراث
الإعلامي/ حسن رشيد
الدكتور حسن رشيد ، إعلامي وكاتب وناقد مسرحي قطري، أول مذيع يقرأ نشرة الأخبار على تلفزيون قطر، ولد في الدوحة عاصمة دولة قطر عام 1949، حائز على درجة الدكتوراه في فلسفة الفنون من المعهد العالي للفنون المسرحية في مصر، بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف ، فاز بجائزة التميز الإعلامي في مجال الإذاعة المسموعة 2017م؛ وذلك بمناسبة الاحتفال بالدورة الثانية ليوم الإعلام العربي تحت رعاية جامعة الدول العربية.
رحب الدكتور حسن رشيد وعبر عن سعادته بالرد على أسئلة التحقيق وكانت إجاباته كما يلي:
س: ما التحديات التي تواجه الهوية الوطنية للشباب القطري؟
في ظل العولمة أصبح الحفاظ على الهوية أمرا بالغ الصعوبة ، والجيل الجديد يعيش في إطار تيارين ، تيار العادات والتقاليد ، وتيار آخر من الصعب الوقوف أمامه أو ضده ، وللتعليم أمر هام وحيوي في ترسيخ الهوية ، الآن من الملاحظ أن الأحفاد لا يتحدثون بلغة الضاد ، هذا الجيل مع الأسف ضائع وبعد سنوات ، سوف نبكي على واقعنا المعاش ، ونتحول كما حدث ويحدث الآن في شمال أفريقيا ، كلمه باللغة العربية وعشر كلمات باللغة الفرنسية ، ونجد أن النظر إلى لغة الآخر قد خلقت فجوة في إطار الهوية العربية والإسلامية ، ويرجع ذلك إلى أن الأم والأب والجد نرغب في حصول أبنائنا وأحفادنا على وظيفة بسهولة ، ولأن الاهتمام بلغة الآخر هو السبيل للوصول إلى إيجاد وظيفة ، بمعنى أن الضرورات تبيح المحظورات ، ومع الأسف وقعنا في هذا الإطار.
س: ما دور تعزيز الهوية الوطنية في التصدي لسلبيات العولمة؟
التصدي لا يأتي من خلال الأفراد ، ولكن يكون عبر تفكير جمعي ، وإثراء كل ما يربط بماضي البلد من فنون وآداب وثقافات ، وإحياء ما يشكل لبنه في مسارنا الحضاري.
س: هل تأثرت الهوية الوطنية بالتطور التكنولوجي؟
هذا صحيح بلا شك بداية باللغة والعادات والتقاليد ، وتسائل الدكتور حسن رشيد بأنه هل قبل نصف قرن كان شكل الجيل كما هو الآن؟ كان من العيب الخروج بالشورت والفانلة في الأسواق ، ولكن الآن في كل المجمعات من أبناء قطر يقلدون الأسيويين في ارتداء الشورت والفانلة بدون أي شعور بأن هذا عيب لأن العولمة فرضت علينا هذا الشكل ، ومن الملاحظ أيضاً التفكك في العلاقات الاجتماعية في الفرح وفي العزاء ، فالكل لاهي مع هاتفه المحمول ، وانقطعت العلاقات والزيارات وانحصر الأمر عبر الهاتف فقط ، عبر عبارات محددة قصيرة مثل (كيف حالك ، أنت بخير ، أنا بخير) ، وقد كان من قبل الأب ينتظر في أيام العطلات لأبناءه ، وأبناء أبنائه وإخوانه ويجلسون مع بعضهم ، ويتشاركون في تناول الطعام.
س: هل تأثيرات قيم الشباب لم تعد من الأسرة وأصبحت من مصادر خارجية؟
نعم بلا شك ، تأثيرات قيم الشباب من المجتمع والشارع بشكل أقوى من الأسرة ، فهل شاهدت علاقة الشعر بالجيل الجديد ، والقمصان التي تحتوي على عبارات خادشة للحياء ، دون وعي من الشخص المرتدي لها بما تحتويه هذه العبارات ، وهل يوجد احترام كما كان قبل نصف قرن بين الأب والإبن ، الآن يدخل عليكي الأخ أو الأخت أو العم ، من بعيد وتقولي له (هاي) ، هذه العادات ليست من تراثنا ، ولكننا استبدلنا عبارة (السلام عليكم) بعبارة (هاي) و(هاو آر يو) وقس على هذا بقية الأمور.
س: هل تأثر التراث الوطني بالعولمة؟
هذا صحيح فأين تراثنا الوطني من ملابس والأهازيج والفولكلور ، والفن وقيمته ، فنجد أن العولمة سرقت كل شيء ، والخوف مما سيأتي في المستقبل ، وهذا ليس في مجتمعنا فقط ، ولكن في المجتمع العربي ، بعدما كنا نسمع أغنية الأطلال ، ورباعيات الخيام من أم كلثوم ، أصبحنا نسمع أغنية (بحبك يا حمار) ، هل وصلنا إلى هذه المرحلة من التفكك؟ ، فنحن للأسف الشديد نقلد دون وعي ، لأننا لا نملك الشخصية والهوية حتى نقف أمام هذا الإطار.
س: هل توجد مخاطر على التراث ناتجة عن الإنتاج الدرامي الأجنبي، المواد الترفيهية والألعاب الالكترونية؟
التأثر أمر وارد ونجد أن الجيل الحالي غير الجيل السابق ، أصبح أبنائنا الآن لديهم أبطال مختلفون ، فقد كنا في السابق نقرأ مجلة سندباد ومجلة سمير ومجلة ميكي ، نجد أن الجيل الحالي يحصل على أبطاله من خلال الأيباد ، ومن خلال التليفون ،والخوف من هذا التليفون والذي يحمل الشر أكثر مما يحمل من خير ، ونجد أن طفل عمره سنتين مثلاً عندما يصيح تقوم أمه على الفور بإعطائه الهاتف حتى يصمت ، ونكون نحن السبب في ضياعه بدون وعي ، أما الدراما ، فنجد أن معظم الأعمال بعيدة عن واقعنا ومضامينها لا تناسب هذه المرحلة ، والأعمال التي تقدم بعيدة عن الواقع المعاش ، والإعلام يزحف عبر الهاوية عبر الإذاعة والتلفزيون ، (أنا أول من قال إذاعة قطر من الدوحة) وأتذكر كيف كان للإذاعة دور لأنها كانت تقدم الفكر والفن والثقافة.
س: هل أصبح الشباب يميل إلى الترفيه والألعاب الالكترونية على حساب القيم والثقافة الوطنية؟
هذا السؤال مع كل الأسف يحمل إجابته ، نعم ، نعم ، نعم ، أصبح الشباب يميل إلى الترفيه والألعاب الالكترونية على حساب القيم والثقافة الوطنية.
س: كيف يمكن التغلب على تأثير العولمة على التراث الوطني؟
التيار قادم ، ونحن ننجرف نحو ما هو واقعنا للأسف ، لأن الآخر خطط منذ سنوات وسنوات لغزو ذاكرتنا الجمعية ، وبدأ بفن الغناء ، وخلق فجوة في الذاكرة ، ومن يقرأ (مقدمة ابن خلدون) حول تأثير الغناء يكتشف هذا الأمر لأن أول أسباب الانهيار هي انهيار الغناء في أي مجتمع.
س: هل الأعمال الفنية المستمدة من التراث تساهم في تشكيل الهوية الوطنية بشكل ايجابي؟
يمكن نعم وممكن أيضاً لا ، المهم كيف نقدم وبأي طريقة ، ويكون الأمر بعيداً عن الأسلوب المدرسي الفج ، لأنني عندما أقوم بنصحك بشكل مباشر فجأة فستنفرين ، مثال لو أتيت وقلت لكي هل صليتي المغرب؟ ستقولين أنني لست على وضوئي ، ثم أقول لكي متى ستصلين؟ أما تخافين من ربك؟فتقولين سوف أذهب للبيت وأتوضأ ، فأنا الآن في العمل ، فعندما أكرر لكي السؤال عدة مرات بقولي لماذا لم تصلي؟تردين وتصيحين: هل أنت ربي تحاسبني؟ ما بصلي ، لذلك فإننا نجد أن الإطار الفج يخلق للأسف الشديد فجوة في الذاكرة.
س: هل يجب أن يكون العمل الفني انعكاس لتراث المجتمع وخصوصياته؟
نعم ، وهذا هو المهم ، ولكن يجب أن يكون المبدع على وعي تام ، وأن لا يقدم نصائح بلا مضمون أو هدف.
س: هل اهتمام الدولة بالتراث والحفاظ عليه يساهم في تحصين المجتمع من التأثيرات السلبية للعولمة؟
هذا سؤال هام ، هذا أمر مطلوب ، ودور الوزارات المختصة كوزارة الثقافة والإعلام ، بأن يكون خالياً بالدرجة الأولى من ما يعكر ذاكرة الإنسان ، ويكون ما يقدمه مبدعاً ، وأن يكون خالقاً ، وليس متبوعاً ، ولا يرتمي في أحضان الآخر ، أو يقلده ، فلابد أن يحافظ على الهوية الوطنية ، في الملبس والمأكل والثقافة ، وأعتقد أننا لو تمكننا من تطبيق هذا الإطار والوصول إلى هذا الهدف نكون قد حققنا إنجازاً كبيراً.
س: كيف يمكن التصدي للآثار السلبية للعولمة على التراث؟
الآن صعب ، لأن العولمة قد تغلغلت في كافة أرجاء الوطن العربي والعالم ، ومن الصعوبة الوقوف في وجه هذا التيار الجارف ، خاصة في ظل التفكك العربي والإسلامي ، وهم لديهم الإجابة لمواجهتنا ، فالتهمة جاهزة لديهم باتهامنا بأننا إرهابيين ، وأننا نغذي الإرهاب ، وما يحدث في وطننا العربي من صراعات ، مثل الصراع بين المغرب والجزائر ، والصراع بين تونس وليبيا ، والصراع بين الأشقاء في اليمن ، والصراعات في العراق ، والدمار في سوريا، وفي لبنان ، وقس على ذلك بقية الدول، ويكفي ما تم من حصار على قطر ونحن إخوان وأهل في منطقة واحدة ، ونحن نملك نفس الأحلام ونفس الطموحات ، أعتقد أن كل ذلك من آثار العولمة التي دفعنا ثمنها ، ولكن قادتنا بما يملكون من رؤية وشفافية واستطاعوا أن يحققوا أهدافهم.
المشكلة:
تكمن مشكلة تأثير العولمة على التراث أنه في ظل العولمة أصبح الحفاظ على الهوية أمرا بالغ الصعوبة ـ ويرجع ذلك إلى أن الأم والأب والجد يرغبون في حصول الأبناء على وظيفة ، والاهتمام بلغة الآخر هو السبيل للوصول إلى إيجاد وظيفة ، بمعنى أن الضرورات تبيح المحظورات.
تأثرت الهوية الوطنية بالتطور التكنولوجي ، لأن العولمة فرضت علينا هذا الشكل ، وأصبح يوجد تأثيرات قوية على قيم الشباب من المجتمع والشارع بشكل أقوى من الأسرة ، ولم يعد يوجد احترام قوي كما كان في الماضي بين الأب والإبن والأقارب.
تأثر التراث الوطني بالعولمة ليس على المستوى المحلي فقط ولكن في المجتمع العربي بأكمله ، بعدما كنا نسمع أغنية الأطلال ، ورباعيات الخيام من أم كلثوم ، أصبحنا نسمع أغاني هابطة تضر الذوق العام .
أصبح الأبناء الآن لديهم أبطال مختلفون ، نجد أن الجيل الحالي يحصل على أبطاله من خلال الأيباد ، ومن خلال التليفون ،والخوف من هذا التليفون والذي يحمل الشر أكثر مما يحمل من خير.
أصبح من الواضح أن الشباب يميل إلى الترفيه والألعاب الالكترونية على حساب القيم والثقافة الوطنية والتي كان يجب أن يعتز ويتمسك بها.
الحلول:
يجب تعزيز الهوية الوطنية في التصدي لسلبيات العولمة ، التصدي لا يأتي من خلال الأفراد ، ولكن يكون عبر تفكير جمعي ، وإثراء كل ما يربط بماضي البلد من فنون وآداب وثقافات.
يجب الاهتمام بالأعمال الفنية المستمدة من التراث تساهم في تشكيل الهوية الوطنية بشكل ايجابي ، ويجب أن ويكون الأمر بعيداً عن الأسلوب المدرسي الفج ، وأن يكون بأسلوب بسيط.
يجب أن يكون العمل الفني انعكاس لتراث المجتمع وخصوصياته ، ولكن يجب أن يكون المبدع على وعي تام ، وأن لا يقدم نصائح بلا مضمون أو هدف.
من الضروري اهتمام الدولة بالتراث والحفاظ عليه يساهم في تحصين المجتمع من التأثيرات السلبية للعولمة ، وأن يكون دور الوزارات المختصة كوزارة الثقافة والإعلام ، ويكون ما يقدمه مبدعاً ، فلابد أن يحافظ على الهوية الوطنية في الملبس والمأكل والثقافة .